يا أهل لبنان
أظهر لنا أخواننا وأخواتنا في المهجر حبهم للبنان البارحة (أو بالأحرى يوميّ الجمعة 6 والأحد 8 أيار الماضيين) بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بنسبة معدلها 61 بالمئة عل صعيد العالم أجمعه. لا ننسى أيضاً أن المغتربين يبقون هذا الوطن على قيد الحياة من خلال إرسالهم الأموال منذ عقود إلينا لكي نعتاش، رغم اللصوص الذين حكموا هذا البلد منذ انتهاء الحرب اللبنانية-الفلسطينية في عام 1990
لا أبالغ بالقول أن إتفاق الطائف - الذي من أجله استخدم اللبنانيون السُنّة السلاح الفلسطيني للاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني وإعطائها إلى رئيس الوزراء السنّي - كان المصيبة الأولى الكبرى في تاريخ لبنان المعاصر، وذلك لأن هذه الحرب كانت فرصة فريدة للانتهاء من الطائفية والإقطاعية والتزلّم والوراثية السياسية وكل رواسب الاحتلال العثماني. لكنكم أنتم أيها اللبنانيون عدتم وأوصلتم اللصوص وزعران الحرب والإقطاعيين وكل تلك الحثالة السياسية وأحكمتموها على رقابكم، علماً أن هؤلاء العكاريت لم يطبقوا من إتفاق الطائف إلا تلك المواد منه التي تصبّ في مصالحهم
ثم وفي عام 2005 وبعد جريمة قتل رفيق الحريري على يد حزب الله والنظام السوري، بدى لنا في الوهلة الأولى أنكم أفقتم من غيبوبتكم وكان أملنا الكبير أن ثورة الأرز سوف تكون فرصة ثانية لإحداث التغيير المرجو لخلاص لبنان ونقله من القرن التاسع عشر إلى القرن الواحد والعشرين. لكنكم فشلتم مرة ثانية، ووضعتم اللصوص نفسهم الذين وقّعوا على اتفاق الطائف بسدة الحكم مرة جديدة. فازداد الخراب وأمعنت الحثالة السياسية مجدداً بسرقتكم وتهجيركم وتخريب البلد
أما اليوم، فاللبنانيون الشيعة يعاودون الكرة. أتى دورهم في الإمعان بهذا الوطن، كما فعل اللبنانوين السنّة في عقودٍ مضت. فتحت غطاء الـ"تحرير" وأكاذيب الحرمان والضغينة العائدة إلى القرن السابع، يحاول الشيعة الاستيلاء على الحكم. فها هم يضربون مكوّنات الدولة ويعتدون على أصدقاء لبنان ويقتلون من يخالفهم الرأي ويهددون يميناً وشمالاً بسلاحهم. ألم تفهم أيها اللبناني مما علّمك تاريخك الحديث أن الشيعة سوف يتحالفون من اللاجئين السوريين لمحاربة الدولة اللبنانية؟ كما فعل السنّة بتحالفهم مع اللاجئين الفلسطينيين لمحاربة الدولة اللبنانية عام 1975 تحت شعار العروبة ومحاربة الانعزاليين والصليبيين، أي المسيحيين؟ يشيطن حسن نصرالله اليوم المسيحيين بقوله أنهم حلفاء إسرائيل والصهوينية، وذلك تحضيراً للمعركة الآتية ولتخريب لبنان، ربما للمرة الأخيرة لأن هذه المعركة سوف ترى نهاية لبنان كما نعرفه
أيها اللبنانيون، صدقتموهم عدة مرات. صدقتوا كل أكاذيبهم، من حروب التحرير الدونكيشوتية إلى شعارات العروبة العقيمة إلى قدرتهم على إدارة البلد بنحوٍ يرافق التقدم الضروري في القرن الحادي عشر. صدقتموهم وهم يسرقون أموالكم ويهجرون أولادكم ويمعنون بإفساد الإدارات العامة. فكنّا نحن المغتربون نعود من حين لآخر إلى البلد ونرى بأم أعيننا الأوضاع الرديئة، فنسألكم منتقدين: كيف تقبلون بالعيش بلا كرامة وبالبهدلة التامة في جميع نواحي الحياة اليومية من رشوة وطرقات مهترئة وكهرباء مقطوعة وماء جاف وأمن مرتهن واستنسابية في تطبيق القوانين، إلخ؟ فكنتم تجيبون: لبنان بخير الحمدلله، المشكلة أنكن أنتم المغتربون تطلبون الكثير من الدولة والحياة، ربما لأنكم تحت تأثير الحياة في دول راقية تحترم مواطنيها. فنسكت ولا نشمت ونعود إلى بلاد الغربة والحسرة في قلوبنا
هل ستصدقونهم اليوم؟ هل ستقترعون لهم يوم الأحد؟ هل ستتزلّمون لهم كقطعان الخراف الساذجة الذاهبة إلى المصلخ؟ أم تعلمّتم من دروس الماضي؟ إن العبء الكبير لهذه المعضلة يقع على عاتق الجيل الجديد. رغم جهله لويلات الحروب، لقد فطن هذه الجيل عبثية نظريات التحرير الخرائية التي لم تحرر لبنان إلا من أبنائه ومن ركبه لعصره، فأضحى بلداً من أواخر بلدان العالم، بلدٌ يُغتصب شعبه وتُغتصب بيئته وأحراجه وأنهره وبحره يومياً تحت أطنان القمامة والمبيدات الكيمائية الممنوعة عالمياً، بلدٌ لا يقدّم شيئاً للعالم لكي يشعر العالم بالحسرة عليه، بلدٌ جاهلٌ للعلم ومغمورٌ تحت ثقل الأديان والطوائف العقيمة الآتية إلينا من العصور الحجرية والبرونزية، بلدٌ يلجأ أبناؤه إلى القديسين والمعجزات والكهنة والأئمة والشيوخ والبطاركة والمطارنة وكل تلك الأصنام المنسوخة عن عبادات قديمة جداً ينحرها نور الحقيقة، ظنّاً منهم أن لا قيمة لهذه الحياة ولا مغزى من محاربة المتحكّمين بهم، حيث الاعتقاد أن الله وحده يسوّي مشاكل الدنيا والانحدار إلى مستوى من القدرية تجعله يستسلم للمصائب التي تعصف به. بينما الناس في البلدان المتحضرة يعرفون أن مصيرهم بأيديهم وحدهم وليس بأيدي الله، فيحاسبون وينتقدون ويثورون على حكّامهم
خلاصكم بأيديكم. خلاصكم ليس بالمسجد أو الكنيسة، خلاصكم ليس بأيدي نبيه برّي وحسن نصرالله وسامي الجميّل وجنبلاط وجبران باسيل وميشال عون ومجد حرب ومعوّض والمرّ وجعجع و و و و و هم وأولادهم وأولاد أولادهم، لا مجال لتمسية كل المجانين والحربجيين واللصوص وقطاع الطرق وسفّاكي الدماء الذين يسيطرون عليكم
مرة واحدة في حياتكم حاولوا المستحيل، وإن لم ينجح فبإمكانكم العودة إلى حضن المجانين والحربجيين واللصوص وقطاع الطرق وسفّاكي الدماء الذين يسيطرون عليكم. حاولوا ولو مرة يوم الأحد القادم بالتصويت إلى أسماء جديدة وأوجه جديدة وممثلين لكم من الجيل الجديد، فربما ينتقل مصيركم من أيدي اللصوص إلى أصحابه، أنتم
No comments:
Post a Comment